الهروب الكبير…. قصة قصيرة
لن أنسى ذلك اليوم أبداً ماحييت،كنت ورفاقي الصغار دون العاشرة,ملّلنا الذهاب إقبالاً وإدباراً إلى الكتاب حيث يقبع شيخنا الهمام، ذو الابتسامة العريضة والعمامة البيضاء والصوت الجهوري الذي مازال يدوّي في تلافيف الذاكرة، وقررنا الهروب!
كان يتوجب لذلك الهروب خطة محكمة…. فـ للشيخ أعوان!
كثر من أهل الثقة والدراية بألاعيب الصغار وممن يمتلكون قوة جسمانية تؤهلهم (للعبط) عبطنا نحن طبعاً!
لابد من وجود قائد وخبير ملم بدهاليز الطرقات وقادر على المراوغة ولابد من نقطة تجمع، فالهروب لابد أن يتم على مراحل كي نفقد المطاردين قوتهم.
كسهم مارق انطلقت بسرعة أقنعت مطاردي بالعدول عن تتبعنا, وتنسمت هواء عليلا، كان الرفاق في انتظاري ذهبنا ناحية الزروع انغرست أقدامنا الحافية في جسور الطين فأضفت علينا شعورا بهيجا بالراحة، قذفنا أشجار النخيل فردت علينا بأطايب البلح، تذوقنا الليمون اللاذع والمانجو الشهي والخوخ ذا الرائحة المغرية والتين الذي يقطر عسلا، وكنا نتسلق في مهارة أشجار الجوافة وننتقي ما أحمر منها فتذوب في أفواهنا كنا نفعل ذلك في الصيف، وبقدوم الشتاء كانت حبات البرتقال تتطلع إلينا في لهفة فنقطفها نركلها كالكرة ثم نأكلها رغم حموضتها إلا أنها كانت منعشة وكان الرمان كذلك ألا أنه كان يعطينا شعورا غامضا حين نتناوله ربما لندرته حينذاك.
كانت تلك المغامرة المجنونة تنتهي في التوقيت الذي يخرج فيه الباقي من الكتاب. فتكتمل أواصر الخطة بوصولنا لبيوتنا في ميعاد الانصراف، وفي اليوم التالي يكون العقاب أو ربما ينسى الشيخ فننجو بفعلتنا!