الإبداع ضد الإلتزام .. آلاف المواهب التي ماتت في قلوب عباقرة متفردين بسبب غياب هذه القاعدة

 

هناك قانون من قوانين الغطس يعرفه البحارة, وهى قاعدة ( البرد ضد الغطس ) بمعنى أن المصاب بنزلة برد أو أنفلونزا أو ما شابهها يُمنع تماما من الغطس وإلا أدى ذلك إلى وفاته ..

كذلك الإبداع والعبقرية في أي مجال من المجالات تحكمها قاعدة لا تسقط وهى أن الإبداع ضد الإلتزام, وليس المقصود هنا قطعا الإلتزام بمفهوم الإجادة وعدم الإهمال .. بل المقصود الإلتزام بالروتين والقواعد النمطية التي تحكم المجتمع, فهذه القواعد لا يجب أن تسري على المبدع لا سيما في مراحل طفولته من أبيه وأمه, بل يجب أن يعطوه مجاله الحرفي موهبته بإنطلاق تام ويتحملوا العذاب الناجم عن ذلك.

وهناك آلاف المواهب التي ماتت في قلوب عباقرة متفردين بسبب غياب هذه القاعدة عن الأبوين أو بسبب عدم إدراكهم لموهبة أبنائهم ..

ويثور هنا السؤال المنطقي وهو أن المواهب بطبيعتها لا يمكن أن تظهر أو تثمر في الطفولة الأولى إلا نادرا, وحتى لو ظهرت ستظهر بشكل عادى غير متفوق فكيف يمكن للأب والأم ساعتها تحديد موهبة أبنائهم أو أنهم بذرة عبقرية يجب رعايتها.

والإجابة أبسط مما نتخيل ..

فالطفل العبقري يدرك من بدايته في أعماقه أنه عبقري لكنه لا يعرف لماذا وفى أي شئ, والكارثة تكمن في أنه يتعامل على هذا الأساس مع مجتمعه وعائلته فيصبح متمردا مشاغبا للحد الأقصى رافضا للتسلط والأوامر، والأنكى من هذا أنه يتعامل مع أبويه بأسلوب الند للند بمعنى أنه لا يتعامل معهم من منطلق أنهم يملكون حق توجيه الأوامر والنواهي له ..

هنا تخلط الآباء غالبا بين الطفل الموهوب وبين الطفل المشاغب لأن الظواهر واحدة, فيتعاملون معه على أنه طفل ( قليل أدب ) يجب تأديبه وتهذيبه, وإن كان هذا جائزا في مرحلة ما مع الطفل المشاغب بطبعه, والتأديب يفيد في تقويمه فإن إتباع أسلوب العقاب مع الطفل الموهوب يدمر موهبته في مهدها .. وبالتالي نحتاج مقياسا لنعلم إن كان هذا الطفل مشاغبا أو موهوبا ..

والمقياس بسيط ..

فالطفل الموهوب لا يشاغب لمجرد الشغب بل يشاغب ليتعامل معه أبواه باحترام, بمعنى أنه يعتز بنفسه وبالتالي يجب أن يربيه أبواه بالإقناع ويطلبون منه الإلتزام بصيغة الطلب لا الأمر, فلو أطاعك الطفل بهذا الأسلوب فاعلم تماما أنه موهبة فذة ستظهر يوما ما, لكنه إن لم يطع وتزايد تمرده فهذا طفل مشاغب يجوز معه التأديب.

وفارق آخر أيضا وجوهري .. فالطفل العبقري عندما تستخدم معه أسلوب العقاب والقهر والإرغام ستجد أنه يزيد ضراوة في الإعتراض والإصرار على الشغب وكلما بالغت في العقاب بالغ في العناد, وهذا فارق ضخم جدا عن الطفل المشاغب الذي يرهبه العقاب والتهديد ويلجأ للتبرير والاعتذار أما العبقري فهو لا يرى أنه مخطئ أصلا بل يراكم أنتم الذين لا تقدرونه حق قدره وبالتالي تزيد مقاومته حتى يجبركم على الاعتراف بمكانته، تلك المكانة التي لا تعرفونها أصلا ولا يعرفها هو ولكنها توحي إنه هذا الطفل المشاغب بعد العذاب ده كله حيبقى حاجة في يوم ما.

Similar Posts

اترك رد