كيف يكون البر من الآباء للأبناء
كيف يكون البر من الآباء للأبناء ( إقرأ وركز )
( من دروس والدي رحمه الله )
حاجة الأبناء إلى الطعام والشراب والرعاية من مال حلال هي الأمر الوحيد الذى يقع واجبه عليك فى التربية، بمعنى أنه عمل يجب أن تقوم به وتسعي عليهم فى النفقة، أما كل ما يخص مستقبل الأبناء بعد ذلك فقد جعله الله مرهونا بمشيئة إلهية مشروطة، إن قمت بتطبيق هذه الشروط خرج الأبناء كما تتمنى، وإن لم تفعل لن يخرجوا ولو أنفقت عليهم أموال قارون، والغريب أن هذه الشروط لا علاقة لها بواجبات مفروضة عليك تجاه الأبناء بشكل مباشر ..
الشرط الأول
أن تتقي الله فى الأقوال والنصائح وما تروجه بين الناس، فهذا الشرط مرتبط ارتباطا تاما بسلامة تربية أبنائك وذلك من قوله تعالى ( [وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا] {النساء:9}
وهو شرط لا علاقة له بالأبناء مباشرة ورغم ذلك يعتبر الأساس فى التربية بنص القرآن، فإن كنت تخشي على أبنائك فعليك بالقول السديد، وليس معنى القول السديد أن يكون كلامك كله هو الحق بل أن يكون كلامك كله نابعا عن إخلاص وتجرد وإيمان بأن ما تقوله هو ما تعتقد أنه الحق فإن ظهر لك غير ذلك فعليك بالرجوع عن قولك إلى القول الأصح .. وهذا يفسر لنا لماذا يفسد أبناء المنافقين والمتسلقين بأكثر مما يفسد أبناء الكفرة والملاحدة.
الشرط الثانى
وهو ألا تكره أبناء الآخرين .. وأول علامات كراهيتك لأبناء الآخرين أن تربي ولدك على التفوق المطلق فى المدرسة مثلا أو غيرها فإن تفوق عليه تلميذ آخر ولو بنصف درجة تثور وتغضب وتدفع ولدك للشعور بالفشل حتى لو حاز المركز الثانى على الجمهورية، وكل هذا أن فلان بن فلان تفوق عليه !! فهذا الأمر وحده كفيل بأن يعاقبك الله فى أولادك بما لا تتصور لأن واجبك أن تدفع ابنك للتفوق وفقط بغض النظر عن تفوق الآخرين وإلا تعلم الطفل الكبر والغرور وهو بطر الناس وغمط الحق.
الشرط الثالث
أن تنصح ابنك مرارا وتكرارا بأن كليكما فى حماية الله وحده، وأنك كأب له لا تحميه ولا تمثل له الحصن الذى يستند إليه، بل إنك مثله تلجأ لحصن الله، وهذه النقطة كارثة فعلية يغفل عنها كثير من الناس لأن الأب يظن أنه يفعل خيرا عندما يجعل أبنائه تشعر دوما أنهم تحت رعايته وحمايته ويعتبر ذلك من الواجبات !!
وهذه كارثة محققة لأنك لو أحببت أولادك حقا فستدرك أنك ستتركهم فى يوم ما، فإن قمت بتربيتهم على أنك السند الوحيد لهم فى الدنيا فهذا معناه ضياعهم المؤكد بعدك، وأنت من فعلت بهم هذا، لأنك لو علمتهم من البداية أنك مثلهم تحت قدر رب العالمين فسيكون فراقك عندهم أخف كثيرا، وسيتقبلون أمر الله فيك فتسعد بهم فى الآخرة كما سعدت بهم فى الدنيا.
إن قمت بتطبيق هذه العناصر فسيعطيك الله شيئا لم يمتلكه أباطرة الأرض عبر التاريخ وهو أنك ستحمى أبناءك وأحفادك بعد موتك، لأن الله تعالى يجزى الآباء بهذه الأفعال بأن يجعل أعمال آبائهم حصنا لهم على مر الزمن وأكبر دليل على هذا موجود فى قصة موسي والخضر عليهما السلام، فرغم أنهما أفضل رجلين على الأرض فى زمنهما، إلا أن الله كلفهما ببناء الجدار لغلامين يتيمين فى المدينة، وكان سبب ذلك فى قوله تعالى ( وكان أبوهما صالحا ) !
فتخيل لأجل أن أباهم كان صالحا أرسل الله أعظم رجلين على الأرض ليقيما لهما الجدار، والمفاجأة ليست فى ذلك بل المفاجأة أن الأب المقصود فى الآية ليس أبا الغلامين بل كان ــ كما قال المفسرون ــ جدهما السابع، أى أن صلاح الجد حفظ الأحفاد حتى الجيل السابع.