سورة الفاتحة وبيان بما ورد في أسمائها وفضلها وسبب نزولها وأسرارها السبع
سورة الفاتحة سبع آيات، وهي مكية على القول الراجح؛ لأدلةٍ؛ منها ما ذكره “الشيخ مصطفى العدويفي تفسيره لسورة الفاتحة، قال: “ويدل على ذلك قوله – تعالى – في سورة الحجر: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، والسبع المثاني والقرآن العظيم بتفسير النبي – صلى الله عليه وسلم -: هي فاتحة الكتاب، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته))، وسورة الحجر مكية بالإجماع، فدلَّ ذلك على أن سورة الفاتحة مكية أيضًا، ويؤيِّد القول بأنها مكية أيضًا بأن الصلاة فُرِضت بمكة، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))[3]، فهذان دليلان يدلانِ على أن السورة مكية.
جدول المحتويات
أسماء سورة الفاتحة
أسماء سورة الفاتحة كثيرة؛ لشرفها ومكانتها، قال السيوطي:
“قد يكون للسورة اسم واحد، وهو كثير، وقد يكون لها اسمان فأكثر، من ذلك الفاتحة، وقد وقفتُ لها على نيِّف وعشرين اسمًا. وذلك يدل على شرفها؛ فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى”؛ اهـ.
وقال ابن تيمية:
“قال الله – تعالى – في أمِّ القرآن والسبع المثاني والقرآن العظيم: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وهذه السورة هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي الشافية، وهي الواجبة في الصلوات، لا صلاة إلا بها، وهي الكافية تكفي من غيرها، ولا يكفي غيرها عنها.
والصلاة أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كلم طيب، وعمل صالح، أفضل كَلِمها الطيب وأوجبه القرآن، وأفضل عملها الصالح وأوجبه السجود؛ كما جمع بين الأمرين في أول سورة أنزلها على رسوله – صلى الله عليه وسلم – حيث افتتحها بقوله – تعالى -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وختمها بقوله: ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19]؛ فوضعت الصلاة على ذلك؛ أولها القراءة وآخرها السجود”؛ اهـ.
قلت: وفي السنة الصحيحة وردت عدة أسماء للفاتحة أذكر منها:
1- (فاتحة الكتاب)؛ لحديث عُبَادة بن الصامت يبلغ به النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
2- (السبع المثاني)؛ لحديث أبي سعيد بن المعلَّى، وفيه: ((… الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه))[8].
3- (أم القرآن)؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: “قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم)).
4- (أم الكتاب)؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: ((إذا قرأتم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾؛ فاقرؤوا ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾. إنها أم القرآن وأم الكتاب، والسبع المثاني، و﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ إحدى آياتها)).
قال البغوي في معالم التزيل: “ولها ثلاثة أسماء معروفة: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني.
سميت فاتحة الكتاب؛ لأن الله بها افتتح القرآن، وسميت أم القرآن وأم الكتاب؛ لأنها أصل القرآن، منها بدئ القرآن. وأم الشيء: أصله، ويقال لمكة: أم القرى؛ لأنها أصل البلاد، دحيت الأرض من تحتها. وقيل: لأنها مقدِّمة وإمام لما يتلوها من السور، يبدأ بكتابتها في المصحف، وبقراءتها في الصلاة. والسبع المثاني؛ لأنها سبع آيات باتفاق العلماء.
وسميت مثاني؛ لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة. وقال مجاهد: سميت مثاني؛ لأن الله – تعالى – استثناها لهذه الأمة فذخرها لهم.
وقال ابن العثيمين – رحمه الله – [12]: “وهي أعظم سورة في كتاب الله، وسميت (فاتحة)؛ لأنه افتتح بها المصحف في الكتابة، ولأنها تفتتح بها الصلاة في القراءة”.
ثم قال – رحمه الله -: والفاتحة هي أم القرآن؛ وذلك لأن جميع مقاصد القرآن موجودة فيها. فهي مشتملة على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وعلى الرسالة، وعلى اليوم الآخر. وعلى طرق الرسل ومخالفيهم، وجميع ما يتعلَّق بأصول الشرائع موجودٌ في هذه السورة. ولهذا تسمى (أم القرآن)، وتسمى (السبع المثاني)؛ كما صحَّ ذلك عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
وقد خصَّها الله بالذكر في قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، وعطف (القرآن العظيم) عليها من باب عطف العام على الخاص.
تفسير سورة الفاتحة
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] قال الله تعالى: (حمدني عبدي، وإذا قال العبد ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل فإذا قال:﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ قال هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل[3].
فضائل سورة الفاتحة
أغلب الأحاديث التي ذكرت أسماء الفاتحة تدل على فضائلها فمن هذه الفضائل:
1- سورة الفاتحة أعظم سور القرآن الكريم
وقد تقدم حديث أبي سعيد المعلى عندما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد… ثم ذكر له أنها سورة الحمد لله رب العالمين وهي السبع المثاني والقرآن العظيم[6].
2- لا مثيل لسورة الفاتحة في الكتب المنزلة
فقد أخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ ثم أخبره أنها الفاتحة.
3- سورة الفاتحة نور:
وتقدم الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه… فنزل منه ملك فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته.
4- سورة الفاتحة رقية وعلاج:
رقية وعلاج ودواء وشفاء للأسقام المادية والمعنوية، وتقدمت الأحاديث في ذلك. عندما رقى الصحابي اللديغ بالفاتحة، وكذلك الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن خارجة ابن الصلت التميمي عن عمه: أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أقبل راجعاً من عنده. فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثوق بالحديد، فقال أهله: أعندك ما تداوي به هذا؟. فإن صاحبكم قد جاء بخير، قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية. أجمع بزاقي ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له فقال: كل فمن أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق.
عدد آيات الفاتحة
أجمع العلماء على أن فاتحة الكتاب سبع آيات، إلا أنهم اختلفوا في الآية السابعة، فمن جعل البسملة أولى آياتها[7]، قال إن قوله تعالى:﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ آية واحدة وهي السابعة، ومن لم يجعل البسملة آية من الفاتحة[8]قال ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ لآية السادسة و ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ الآية السابعة.
قال الخازن: وهي سبع آيات بالاتفاق، وسبع وعشرون كلمة، ومائة وأربعون حرفاً.
وقت نزول سورة الفاتحة
قال جمهور العلماء: نزلت سورة الفاتحة بمكة، ولهم أدلة على ذلك، منها:
1- أخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال: فاتحة الكتاب نزلت بمكة.
2- وأخرج الواحدي في أسباب النزول عن علي قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة عن كنز تحت العرش.
3- وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال: لما أسلمت فتيان بني سلمة… فسأله فقرأ عليه: الحمد لله رب العالمين، وكان ذلك قبل الهجرة.
4- وقالوا: لم تكن صلاة في الإسلام بدون فاتحة الكتاب، ومن المعلوم أن الصلاة شرعت في الأيام الأولى من البعثة. وفرضت الصلوات الخمس في ليلة الإسراء والمعراج، وكانت قبل الهجرة بثلاث سنوات.
وقال مجاهد:
♦ إنها نزلت في المدينة، واعتبر بعض العلماء أن هذا القول كبوة جواد من مجاهد. والرواية التي استندوا عليها هي ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو سعيد ابن الأعرابي في معجمه والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة: رنَّ إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب، ونزلت بالمدينة، ولا تقوم بهذه الرواية حجة.
♦ وقيل نزلت مرتين، مرة في مكة حين فرضت الصلاة، ومرة في المدينة حين حولت القبلة، ولذلك سميت مثاني. قاله البنوي، وأيضاً هذا القول لا دليل عليه، وفي القول بنزول بعض السور أو الآيات مرتين نظر.
والراجح القول الأول- أي أنها سورة مكية، لقوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87] وهذه الآية في سورة الحجر، وسورة الحجر مكية بالإجماع، وقد صح في الحديث قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الفاتحة إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
موضوعات سورة الفاتحة
قال جلة من علماء التفسير: إن سورة الفاتحة اشتملت على أغراض القرآن الأساسية، فمن الموضوعات في سورة الفاتحة:
1- الألوهية:
التوحيد بأنواعه: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات. فأخذ ذلك من قوله تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾
2- اليوم الآخر:
هو يوم الدين الذي يلقى العبد فيه حسابه على ما قدمت يداه في الحياة الدنيا، وكل ما يكون بعد الموت يتعلق بيوم الدين. فالحياة البرزخية والبعث بعد الموت، والحشر والحساب والميزان والصراط، والاستقرار في الجنة أو النار. كلها من متعلقات يوم الدين، اليوم الآخر، فأخذ ذلك من قوله تعالى:﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]
3- عبادة الله سبحانه وتعالى:
والإخلاص لله تعالى فيها، العبادة بمفهومها الواسع وتدخل الشعائر التعبدية من صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، في مفهوم العبادة الواسع دخولاً أولياً، فإن حياة المؤمن ومماته على منهج الله وفي طاعته كلها عبادة كما تشير الآية الكريمة ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162-163]، وهذا يدل عليه قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.
4- الاستعانة بالله وحده:
في كل الأمور وجميع شؤون الحياة، ما تعلق منها بالمعاش وما تعلق منها بالتوفيق لصالح العمل والإخلاص فيه. والقبول عند الله في كل ما يعمله العبد وما يدع. فالله الموفق لصالح العمل المعين على أدائه المتفضل بقبوله، وهو ما دل عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
5- الالتزام بالصراط المستقيم:
يعد الاهتداء إليه فضل عظيم من الله تعالى يوفق عباده المخلصين. وللصراط المستقيم دلالة واسعة يشمل كل ما جاء من الله سبحانه وتعالى. وأنزله على أنبيائه ورسله من لدن آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-. الذي اشتملت رسالته على جميع الرسالات وهداياتها. كما أشارت الآية الكريمة (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) المائدة/48. وكل ذلك في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.
6- صراط المنعم عليهم:
من عباد الله المصطفين المخلصين، الذين جاء ذكرهم في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، وهذا الصراط بمفهومه المديد عبر تاريخ البشرية يشمل معتقدا ت المنعم عليهم، وأساليبهم في دعوة الأقوام إلى الخير الذي التزموا به، والعظات والعبر التي أخذت من الحوادث التي مرت بهم، وما خلفوه وراءهم من سير عطرة، وحضارات ربانية بقيت منارات ومعالم يهتدي بها على مر العصور.
7- تجنب صراط المغضوب عليهم والضالين:
وهما نموذجان من البشر:
الأول: عرف الحق ثم عاداه وتنكب طريقه، بسبب الحسد أو العناد أو اتباعاً للهوى، وعلى رأس هذا النموذج اليهود.
والثاني: فئات الضلال، ولا تحصى هذه الفئات فمنهم من أضل الطريق فلم يهتد إلى الحق. ومن منهم من ضل في متاهات الأفكار البشرية، ومنهم من انحرف عن منهج الحق وحادة الصواب. وكلما استجدت أفكار وأحداث استجدت فئات الضلال، وعلى رأس هؤلاء الضالين النصارى.
وقد ورد في الحديث النبوي تمثيل هذين النموذجين (المغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى). كما في حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-.
ولو رجعنا إلى أغراض القرآن المكي لوجدناها تدور حول (التوحيد، اليوم الآخر، النبوات، أمهات العبادات والأخلاق). ولو رجعنا إلى أغراض القرآن المدني لوجدناها تدور حول (بناء المجتمع الإسلامي بتشريع العبادات والمعاملات. وحمايته من مكائد الأعداء والمنافقين من الخارج والداخل، وصيانته من الانحرافات والأخطاء).
وكل هذه الأغراض في السور المكية والمدنية تعود إلى الأغراض المذكورة في الفاتحة. ولعلنا ندرك بعد هذا البيان الحكمة من وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسورة الفاتحة أنها (أم الكتاب وأم القرآن). فهي كالأم ومن الأم تتوالد الذرية وتتكاثر، وإلى الأم يرجع في الانتساب. فمن موضوعات سورة الفاتحة المجملة تأتي التفصيلات في السور الأخرى. وكل أغراض السور القرآنية ترجع إلى هذه الأساسيات المجملة في سورة الفاتحة.
وهل يمكننا بعد هذا البيان أن نفهم من قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، ومن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفاتحة إنها السبع المثاني القرآن العظيم الذي أوتيته.
أن الفاتحة سبع آيات اشتملت على سبعة أهداف. وهذه الأهداف تثنى في سور القرآن الكريم وتكرر من خلال محاور السور وأغراضها؟؟.
محور سورة الفاتحة
يمكن أن يقال إن لسورة الفاتحة محوراً واحداً هو (بيان طريق العبودية لله وحده). كما يمكن أن يقال إن للفاتحة عدة محاور، هي المحاور التي يدور عليها القرآن الكريم كله بسوره المكية والمدنية.
ولعل إشارة ابن مسعود إلى هذا الجانب الأخير، فقد أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف. وقال: لو كتبتها لكتبت في أول كل سورة، وكأنه يرى أن كل سورة تفصل جانباً أو محوراً مما اشتملت عليه سورة الفاتحة. وهذا ما أطلقنا عليه عنوان (موضوعات سورة الفاتحة)، وسيأتي تفصيله فيما بعد.
وفصل محمد بن جزي الكلبي ذلك وكأنه شرح لكلام ابن مسعود يقوله: (سميت أم القرآن لأنها جمعت معاني القرآن كله. فكأنها نسخة مختصرة، وكأن القرآن كله بعدها تفصيل لها، وذلك لأنها جمعت:
الإلهيات في ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾
والدار الآخرة في ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]
والعبادات كلها من الاعتقاد والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]
والشريعة كلها في ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]
والأنبياء وغيرهم في ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]
وذكر طوائف الكفار في ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.
ولو أضاف أمراً سابعاً أو محوراً سابعاً وهو (طريق العبودية إلى الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا ﴾. لاكتملت المحاور السبعة، ولألقى ضوءً على سر تسميتها بالسبع المثاني والقرآن العظيم).
تفسير سورة الفاتحة
سورة الحمد أفضل سورة في القرآن، اشتملت على آداب وحكم ومواعظ في غاية الشمول والعموم والدقة والروعة والجمال.
ففيها براعة الاستهلال، وحسن الثناء على خالق الكون ومدبر أمره. الذي خلق ورزق، ولطف بعموم رحمته وعميم فضله، وإليه مصي الخلائق للحساب جزاء وفاقاً.
وفي هذه السورة تعليم العباد بالتوجه إلى بارئهم بتقديم الوسائل التي شرعها لهم ربهم. والتقرب إليه بخالص النيات لتثبيتهم على شرائع الإسلام بالتمسك بالعروة الوثقى، وحبل الله المتين. الذي تمسك به عباده المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. والذي طرفه من عند الله وطرفه الآخر في جنات النعيم، وأن يجنبهم الزلل في المعتقد والانحراف في السلوك. كما كان حال ملل عرفت الحق فتنكبته عن عمد وسبق إصرار فاستحقوا غضب الله ومقته. وملل تاهت عن الحق فضلت سبيل الهداية، فهم في كل وادٍ يهيمون.
إن هذه المعاني التي اشتملت عليها سورة الفاتحة من الثناء على الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه في الدعاء. رمز هذه العبودية التي يتقرب بها المؤمن إلى الله عز وجل، فيتعلق قلبه بربه رب العالمين. ويحاسب نفسه في تلك المحطات التي يقف فيها بين يديه ليستشعر عظمة مالك يوم الدين. فيعيد النظر فيما قدمه بين الصلاتين من قول أو عمل ليدرك في أي كفتي الميزان توضع. وليدرك أن لا توفيق ولا فلاح إلا من وفقه الرحمن الرحيم وأخذ بناصيته إلى الخير والطاعة وثبته عليها. وأن من سلك سبيل الغي وابتع هواه وانساق وراء أهل الزيغ والضلال فنهايته إلى غضب الله وعذابه.
فليدرك المؤمن هذا الاستشعار والتوجه في أعماقه وهو يقف بين يدي ربه في صلاته ودعائه. وليقل بعد قراءة هذه السورة العظيمة الجامعة (آمين) أي استجب يا ربنا لدعائنا.
سورة الفاتحة كتابة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿ ١ ﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿ ٢ ﴾ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿ ٣ ﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿ ٤ ﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿ ٥ ﴾ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿ ٦ ﴾ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿ ٧ ﴾ صدق الله العظيم.
المصادر: شبكة الألوكة – إسلام ويب