حضانات مرضى الأطفال الرضع وحديثي الولادة
لا يشعر المرء بالوجع إلا إن مر به وذاق طعمه وعاش في خضم تجربته
ولقد عشت واحدة من تلك التجارب ولمست جزء مما يلسع مرارة في الحلق.
لم افرق بين الأكل في مذاقه ولا اشتياق لشرب ولا لهفة للنوم يمكنك أن تأكل فقط استجابة لرغبة من حولك وحتى تجبر أهلك على ذلك. ولكنك لا تشعر بطعم ولا تعرف حتى ما الذي تأكله ما عليك فقط هو الأكل.
القصة بدأت عندما أصيبت الزهراء ابنتي بالتهاب رئوي حاد وهي حديثة الولادة لم يتعدى عمرها العشرة أيام.
أسرعوا بها إلى أقرب حضانات : هكذا نطق الطبيب
هلموا بنا إلى المستشفى ليلتها ب ٢٥ ج : هكذا أشار والد الطفلة
لا يوجد مكان هنا بالمستشفي : هكذا رد المسئول عند وصولنا هناك
ولما كانت اللحظة التي تمر تكلف الرضيع الكثير من صحته
فكان لزاما علينا أن نودعها في مركز خاص ليلته ب ٤٠٠ ج
وهناك ترى ما يهون عليك أوجاعك عندما تصطدم بمن يشتغل على توكتوك يبيع الخضروات والفاكهة ثم يأتي آخر اليوم مجهدا متعبا ليضع حصيلة يومه ٣٠٠ بعدما اقسم انه استلف المائة جنيه الأخرى ليكمل ثمن طفله الموضوع لأكثر من تسعة أيام ومازال متعبا. وكذلك من اضطر لبيع خاتم زوجته وقد خلعته السيدة من إصبعها دون أن تشعر من هلعها على وليدها فقط ليوفي ثمن أسبوع مكثه طفله في الحضانة.
ومن اخرج طفله من الحضانة حتى دون أن يكمل علاجه. أخرجه مريضا على مسئوليته وقد مضى إقرار على نفسه بتحمل المسئولية والله يعلم أن هذا الأمر يفجعه.
وقد أصبح هم العاملين بالحضانات إخلاء مسئوليتهم والإسراع بإحضار الإقرار ليوقع عليه والد الطفل, الذي اتخذ ذلك القرار مغصوبا على أمره ولو أنهم نظروا لعينيه لوجدوا فيها دموع القهر والاستسلام, لعدم قدرته على تحمل نفقات ليال إضافية.
وهناك من جاء مسرعا بطفله إلا انه رجع مرة أخرى فور سماعه تكلفة الليلة الواحدة قائلا سأرعاه في البيت ولو له عمر وربنا كاتبه من نصيبنا هيعيش وهناك من يرقد على أرضية المستشفى برضيعه المريض ينتظر إخلاء مكان له بإحدى الحضانات لا يملك إلا أن ينتظر. ليس معه ما يكفي لوضعه بحضانات خارجية, ليس معه ما يشتري به حياة ابنه. وزوجته تدعوا يارب أنت مطلع وعالم بحالنا تلك المشاهد حقيقية وليست من خيال الكاتب بل إنها نماذج على سبيل المثال لا الحصر، موضوع حضانات الأطفال الرضع وارتفاع ثمنها وقلة إعدادها بالمستشفيات شيء بغيض قاس لا يمكن تجاهله أو السكوت عنه.
” ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء “
مقال أكثر من رائع يا ابو محمد