حتى آخر العمر…… قصة قصيرة
أخيرا التقيته!
للوهلة الأولى تسرب الشك إلي أنه ليس هو، حينها دققت نظري ورغم شكله البائس تعرفت إليه.
خمسة عشر عاما لم ألقه، رفيق دربي من سهر معي الليالي الطوال في أحرج سنين العمر(ثانوية عامة) أما قبل ذلك(إعدادي) لم تكن علاقتنا توطدت حيث المراهقة والتبدل لا لشئ سوى التمرد، تلى ذلك استلطاف له من قبلي ولم لا؟!وهو صاحب خط جميل لا يقارن نستذكر سويا وأفضي إليه أحيانا كثيرة بمكنوني وأسراري وما يعتلج به وجداني فيسري عني ويهون علي، في حجرة الضيوف التي كانت مقرا دائما لي والتي بقيت من بيتنا العامر حيث استبدل باقي البيت بالطوب والاسمنت وبقيت هي كشاهد على أجمل وأنقى أيام العمر، في حجرتي تلك وبينما نتجاذب أطراف الحديث خر مغشيا عليه بينما تلطخ فمه بلون غريب قاتم قادم من أحشائه، انتفضت على أثر ذلك وجففت فمه بمنديل كان معي وأجريت له بعض الإسعافات الأولية فتماسك وأكمل السهرة معي.
لم أتوان عن خدمته والبحث عما يسعده لكنه تغير فأعطاني ظهره، بحثت عنه كالمجنون ونهبت الأرض نهبا فلم أعثر له على أدنى أثر .
ربما ظن أن بتركه لي سوف أتعثر وأسقط ولن أتمكن من الاستمرار أو ربما خطر بباله وهو في أوج عنفوانه أن مصيري مرهون به، لم يدرك، رغم العشرة الطويلة ومعرفته التامة بي، أنه بذلك يخلق نوعا من التحدي الذي أعشقه ويزيدني إصرارا على النجاح.
أبصرته اليوم المسكين في حالة يرثى لها بعد خمسة عشر عاما كاملة، تمسك به سيدته وتكاد تعتصره بيديها ذات الأصابع الغليظة وهو خانع ذليل يرسل لي نظرات التوسل والرجاء لأخلصه من براثنها تذكرت بيتا من الشعر دونه ذات مرة يقول:
ستذكرني إذا ما جربت غيري……. وتعرف أنني نعم الصديق
لذا وفي طريق عودتي عرجت على إحدى المكتبات واقتنيت دستة كاملة من الأقلام وحرصت ألا تكون نفس النوع .. عسى واحد منها، واحد فقط، واحد مخلص ……
يبقى معي حتى آخر العمر!